مونديال المكسيك 1986 أو كما يُطلق عليه الكثيرون مونديال مارادونا ، لم يُسمى بهذا الاسم عبثاً أو لمجرد أداء مباراة واحدة من الأسطورة دييقو بل للدور الهام الذي لعبه طوال مباريات البطولة و قيادته لـمنتخب لم يكن ضمن المرشحين للفوز بـاللقب فـعلى الرغم من أن الأرجنتين كانت بطلة لمونديال 78 و ربما يغلب الظن عند البعض أنها كانت بـأوج قوتها إلا أن هذا لم يكن الوضع قبل بداية الكأس العالمية حيث تعرض المنتخب و مدربه بيلاردو للكثير من الإنتقادات و التشكيك بمدى قدرتهم على تشريف الكرة الأرجنتينية !
حكاية البطولة الأرجنتينية الثانية بدأت في 1982 عندما تم تعيين كارلوس بيلاردو مدرباً للمنتخب الأرجنتيني و بداية بيلاردو لم تكن مثالية حيث خرج المنتخب من الدور الأول لـكوبا أمريكا 83 بفوز و ثلاث تعادلات ضمن مجموعة البرازيل و البيرو بغياب المصاب وقتها مارادونا و لكن بعدها بتصفيات كأس العالم تأهل المنتخب بسهولة نسبية من التصفيات أمام البيرو و كولومبيا و فنزويلا بتحقيقه أربع انتصارات و من ثم خسارة و تعادل بـآخر جولتين
الصحافة على أي حال و كذلك المتابعين لم يكونوا راضين عن سير المنتخب الأرجنتيني و خطط بيلاردو الذي قدم الخطة الجديدة على الأرجنتين 3-5-2 و لاقت اختياراته للتشكيلة انتقادات واسعة حيث يقول المدافع خوسيه براون عن تشكيلتهم بذلك الوقت (بعض لاعبينا لم يكن لديهم أي تأييد من الجماهير و الصحافة أو حتى المسؤولين ، بيلاردو هو الوحيد الذي وثق بنا) ، ثقة بيلاردو بـإختياراته كان تحت النقد حتى له هو نفسه كـمدرب و قد ظهرت شائعات قبل كأس العالم بـأن الإتحاد الأرجنتيني سـيُعين مدرباً جديداً للكأس العالمية فـما كان من بيلاردو إلا أن نسق جميع إجراءات السفر للبعثة الأرجنتينية و انطلق قبل شهر من بداية المونديال متوجهاً لأوروبا في جولة تحضيرية و من ثم للمكسيك كي يبتعد بـلاعبيه عن جو الإنتقادات المشحون في الأرجنتين ، آخر القرارات التي اتخذها بيلاردو و لم تلقى استحسان الصحافة كان اختياره لـمارادونا كـقائد للمنتخب على حساب الخبير باساريلا و لكن توتر هذا القرار زال لاحقاً عندما أصيب الأخير و لم يشارك في البطولة العالمية لـيأخذ مارادونا دور القيادة بكفاءة عالية بداية من الانضباط بالتدريبات إلى القيادة و التوجيه و إنتهاء بالأداء
مشاكل المنتخب الأرجنتيني على أي حال لم تكن كلها تتعلق بتكتيك و إختيارات بيلاردو و كفاءة اللاعبين و لكن أيضاً بـخبر احتمال غياب مارادونا عن كأس العالم حيث عانى دييقو من إصابة في ركبته اليمنى في مباراة أمام فنزويلا قبل كأس العالم بـعام تقريباً عالجها طبيب المنتخب و استمر مارادونا باللعب و لكن بحلول نوفمبر 85 تعرض مارادونا لصدمة في مكان الإصابة أثناء التدريبات و لم تنجح المسكنات في إسكات الألم و وقتها كان القرار يجب أن يُتخذ هل يجري مارادونا عملية جراحية لـركبته اليمنى و يغيب عن كأس العالم و ما تبقى من الدوري الإيطالي أم يُجري العملية بعد نهاية الدوري و يُضحي بالمنتخب أو القرار الثالث و هو استمرار تحامله على الإصابة ، كانت الإحتلافات موجودة بين جميع الأطراف فـإدارة نادي نابولي رفضت إجراء العملية كي لا يفقدوا مارادونا فيما تبقى من الموسم بينما جاء طبيب المنتخب و أشار بإجراء العملية فوراً كي يكون هناك وقت للتعافي قبل كأس العالم
و بين خلافات الطرفين كان مارادونا مصراً على عدم إجراء العملية كي لا يبتعد عن الملاعب مثلما حصل له في إسبانيا و اختار أن يستمر بالمسكنات و هو ما ساعده على إنهاء الموسم مع نابولي و اللعب طبعاً بـالمونديال ، في المونديال الذي بدأت فيه الأرجنتين كـمنتخب مكمل للعدد و ليس منافس بنظر الصحافة جمعتهم القرعة مع كوريا الجنوبية و إيطاليا و بلغاريا ، و قبل البدء بـسرد أداء مارادونا الفردي أمام المنافسين يجب أن ننوه إلى تشكيلة المنتخب 3-5-2 كانت جديدة على المنتخب الأرجنتيني و عمد فيها بيلاردو للسيطرة على وسط الملعب و إعطاء مساحات لـمارادونا في الثلث الأخير من الملعب ، كان هناك خوسيه براون كـليبرو خلف المدافعين حيث حل محل المصاب باساريلا و كان في المحور الدفاعي باتيستا و معه في الوسط بروتشاغا و بالتأكيد رأس الحربة فالدانو إضافة لمارادونا و المدرب بيلاردو الذي آمن باختياراته و خططه حتى النهاية
مارادونا vs كوريا الجنوبية
في المباراة الأولى عانى مارادونا مجدداً و كما هي العادة من التدخلات العنيفة حيث لم يكن النجوم في تلك الأيام يحظون بالحماية الموجودة حالياً حيث تعرض مارادونا للعرقلة و الركل من الكوريين في محاولة لإيقاف مراوغاته و محاولاته بثلث الملعب الكوري و مع ذلك صنع مارادونا أهداف المباراة الثلاث لـفالدانو أولاً بعد 6 دقائق و من ثم من كرة ثابتة صنع هدف روجيري و جاء الثالث بعد توغل مارادونا من الجهة اليمنى و عرضية تابعها فالدانو بالمرمى و أحرزت كوريا هدفاً بعد ذلك لـينتهي اللقاء للتانقو 3-1
مارادونا vs إيطاليا
المباراة الثانية كانت إختباراً مبكر للمنتخب الأرجنتيني أمام حامل اللقب إيطاليا ، مارادونا كان يعرف دفاع خصمه من خلال لعبه في الكالشيو فالامر لم يكن سهلاً أمام صلابة الدفاع الإيطالي و شكل مارادونا عدة هجمات بمجهوده الفردي و ازداد العبء على الأرجنتين بعد تقدم إيطاليا من ضربة جزاء مبكرة حاول الطليان الحفاظ على تقدمهم و لكن الهدف الأرجنتيني جاء بعد 34 دقيقة من كرة فوق الدفاع انطلق لها مارادونا بزاوية صعبة و لكن بلمسة متقنة بـيسراه تهادت الكرة للزاوية البعيدة و انتهت المباراة بالتعادل الذي أعطى الأرجنتين الصدارة
مارادونا vs بلغاريا
المباراة الثالثة لم تكن صعبة على المنتخب الأرجنتيني و ربحها بثنائية نظيفة و كان أداء مارادونا يعكس مدى استمتاعه بالبطولة من حيث التمريرات و فواصل المهارات الرائعة التي قدمها طوال المباراة ، الأرجنتين تقدمت بهدف مبكر من فالدانو و كانت المسيطرة على اللعب إلى حلول الدقيقة 79 عندما جاء دور مارادونا لإضافة بصمته المعتادة بإنتصارات المنتخب و توج مجهوداته بصناعة الهدف الثاني بعد مراوغة في الجهة اليسرى و عرضية متقنة لـبروتشاغا لـتتأهل الأرجنتين للدور الثاني
مارادونا vs الأوروجواي
مباراة كلاسييكية بين فرق القارة اللاتينية و منتخبان يعرفان إمكانيات بعضهما جيداً ، المنتخب الأرجنتيني كان مجدداً الطرف الأكثر خطورة و وصولاً للمرمى بقيادة مارادونا ، هذه كانت المباراة الوحيدة بالمونديال التي لم يسجل أو يصنع فيها مارادونا هدفاً حيث فازت الأرجنتين بهدف باسكولي و لكن مع ذلك كان أداء مارادونا بالمباراة رائعاً و مميزاً حيث صنع خلال شوطي المباراة فرصتين على طبق من ذهب لزملائه أضاعوها برعونة ، ارتدت ضربته الحرة المباشرة من العارضة بالشوط الأول و ألغى له الحكم هدفاً بالشوط الثاني بعد هجمة قادها من منتصف الملعب و لعبها لفالدانو فسدد الأخير كرة صدها الحارس و تابعها مارادونا بالشباك لكن احتسب الحكم دفع على مارادونا لصالح مدافع الأوروجواي و لم يؤثر القرار على تأهل المنتخب
مارادونا vs إنجلترا
هي المباراة الأشهر بـتاريخ المونديال و ربما بـتاريخ الكرة العالمية عموماً فـفيها أجمل هدف بالقرن و هدف اليد الشهير ، مارادونا لم يكن بحاجة لدوافع قبل اللقاء فـالخصم هو إنجلترا التي كانت تحتل جزر الفاكلاند وقتها و المناسبة هي كأس العالم فـانطلق مارادونا منذ الشوط الأول بقيادته للهجوم الأرجنتيني و محاولات الإختراق و التسجيل و لكن النجاح بزيارة الشباك لم يتحقق إلا بحلول الدقيقة 51 عندما تجاوز مارادونا مدافعين و حاول لعبها ثنائية مع زميله لكنها عادت له عالية من مدافع إنجلترا فـارتقى مارادونا مع شيلتون و استخدم مارادونا يده لتعويض قصر قامته مسجلاً الهدف وسط اعتراضات الإنجليز ، الهدف الثاني من مارادونا غني ربما عن التعريف و لكنه يظل هدفاً ممتعاً للمشاهدة مهما تكرر ، كرة تصل لـمارادونا بـمنتصف الملعب يتجاوز فيها هودج و بيردسلي بحركة جميلة و ينطلق على الجناح الأيمن و يتجاوز بوتشير و بعد ذلك فينويك و أخيراً يراوغ الحارس شيلتون و ينهي مسافة 60 ياردة و مدة عشر ثوان بوضعه الكرة بالشباك قاضياً على أحلام إنجلترا التي نجحت بتقليص الفارق لكن دون الوصول لتعديل النتيجة لـتتأهل الأرجنتين لنصف النهائي
مارادونا vs بلجيكا
بلجيكا فاجئت الجميع بإخراجها إسبانيا و لكن مارادونا لم يعطهم أي فرصة للمفاجآت و كان مصدر التهديد الأول بالأرجنتين بـتسديدة بعيدة المدة أبعدها الحارس للركنية و من ثم بتسجيله للهدف الأول بالدقيقة 51 بعد كرة أمامية سبق عليها المدافعين و وضعها بلمسة واحدة من فوق الحارس المندفع نحوه ، و طبع مارادونا اللقاء بـطابعه الخاص من خلال الفواصل المهارية الرائعة التي قدمها و الفرص التي شكلها و صنعها لزملائه و توج مارادونا إبداعه بـهدف رائع بالدقيقة 63 بعد إختراقه لعمق الدفاع البلجيكي و وضع الكرة على يسار الحارس محرزاً هدف تأمين التأهل للنهائي الحلم
مارادونا vs ألمانيا
المانشافت الألماني كان منتخباً منظماً و قوياً بقيادة المدرب بيكنباور و الأسطورة ماتيوس بوسط الملعب و هذا الأخير كانت مهمته هي مراقبة مارادونا خلال النهائي و هو الأمر الذي توقعه بيلاردو فسحب مارادونا لمنتصف الملعب لإعطاء مساحات أكبر لبقية اللاعبين ، مارادونا لم يكن مستواه الفردي المعهود بالنهائي كما كان عليه بالدورين السابقين و لكنه بقي ورقة هامة بالفريق فـتسبب بالخطأ الذي جاء من الهدف الأول و ساهم في بناء هجمة الهدف الثاني ، المنتخب الألماني تمكن من العودة بالنتيجة بـهدفين من ضربيتن ركنيتين أعادت كل شيء لنقطة الصفر وسط حسرة مارادونا الذي لم يتمكن من الإختراق الفردي أمام قوة لاعبي ألمانيا البدنية و لكنه كان حاسماً بالدقيقة 83 عندما وصلت له الكرة وسط ثلاث لاعبين ألمان و لم يأخذ أكثر من نظرة لاقتناص بروتشاغا فوضع له الكرة منفردا بالمرمى و تمكن بروتشاغا من إنهاء الهجمة بنجاح و إعطاء الأرجنتين الكأس العالمية الثانية ، إحصائية مارادونا الفردية بالبطولة كانت 5 أهداف و 5 تمريرات حاسمة في 7 مباريات